
للتواصل معنا
رواية وحدها شجرة الرمان للكاتب سنان أنطون، ليست مجرد عمل أدبي بل هي شهادة دامعة على وطنٍ يُنهك تحت سُحب الحرب وسيرة ذاتية مؤلمة لأرواح لم تجد مفرًّا من القهر سوى البوح، تحكي الرواية قصة ماجد الشاب العراقي البسيط الذي يُعتقل ظلماً في أعقاب الاجتياح الأمريكي للعراق فينقلب مسار حياته من شغفٍ بالصحافة والكتابة إلى رحلة مظلمة في دهاليز الألم والموت.
في البداية تنقلنا رواية وحدها شجرة الرمان إلى بعقوبة؛ مدينة تتوسّط لهيب الخوف والانفلات الأمني حيث لا صوت يعلو فوق صوت القذائف، تبدأ القصة بخطف ماجد واحتجازه في أحد السجون السرية وهناك يتعرف على شكل جديد من الوجود: حياة مسلوخة من كرامتها ينهشها السجّانون باسم النظام تارة وباسم الطائفية تارة أخرى.
ما يجعل رواية شجرة الرمان متفرّدة هو قدرتها على الجمع بين الواقع الجارح والأسلوب الأدبي الرفيع، فكل مشهد داخل السجن لا يُقدَّم بوصفٍ فجّ فقط بل بلغة حارقة تُشبه بكاءً مكتومًا، السجن هنا ليس مجرد جدران وأقفال، بل كناية عن العراق المسجون داخل نفسه، وطنٌ يبحث عن حريته وسط الجراح، وحتى عندما يخرج ماجد لا يجد الوطن في انتظاره بل شبحًا منه يلفّه الحطام والخذلان.
الرمز الأكبر في الرواية يتمثل في شجرة الرمان التي ظلّت صامدة في فناء بيتهم بينما تغيّر كل شيء، وحدها هذه الشجرة ظلت تثمر في زمن الموت وكأنها تواسي الناجين بصمتها الأخضر، يقول البطل في أحد تأملاته: "مات الجميع، وبقيتُ أنا، وبقيت وحدها شجرة الرمان، تثمر كأنها لا تعرف الحزن".
هذا التناقض بين الحياة والموت وبين التمرّد والصمت يشكل العمود الفقري للرواية، فالرمان بثمارِه المتدفقة دمًا يصير مرآة للواقع العراقي: كل حبة تحوي قصة ضياع وكل غصن يرفع صلاةً منسية.
رواية وحدها شجرة الرمان لا تكتفي بسرد المأساة بل تحفر في أعماق الذات العراقية وتنبش وجدان المثقف حين يتعرّى أمام ظلال الاستبداد، كما تعكس الرواية بمهارة فنية كيف تتحوّل السجون إلى مِحراب للتفكير وكيف يمكن للألم أن يكون مدادًا للكتابة، شخصيات الرواية من رياض الصديق المختفي إلى السجّان بلا اسم تشكّل فسيفساء مروّعة للوضع العراقي الذي تفتّتت فيه الإنسانية.
وبين السطور نلمح لغة ساخرة مرةً وناقمة مرات، تحملها جمل قصيرة حادة توخز القارئ دون استئذان، لا يُجمّل أنطون المشهد بل يُقدمه على طبيعته كما لو أن الكلمات خارجة لتوّها من جحيم السجن.
لمن يبحث عن قراءة تُشبه التنفس في غرفة خانقة فإن تحميل رواية وحدها شجرة الرمان pdf سيكون بداية مواجهة صادقة مع وجعٍ لم يُشْفَ بعد، ويمكن لكل من يريد تحميل كتاب وحدها شجرة الرمان أن يتأهّب لجرعة مكثفة من الواقع، الذي لم تقدر نشرات الأخبار على توثيقه بهذا الصدق المؤلم.
وفي زمن طغت فيه الروايات الرومانسية والهروب من الواقع تأتي وحدها شجرة الرمان pdf كعمل يقف بشجاعة في مواجهة الذاكرة المذبوحة، ويصرخ بما عجز الكثيرون عن قوله، إنها مرآة عراقٍ بلا أقنعة وسجلّ شهداء بلا قبور.
ورغم قسوتها تُدهشك رواية وحدها شجرة الرمان بقدرتها على منح الأمل من تحت الركام، تمامًا كالشجرة التي لا تزال تورق في فناء البيت .. وحدها شجرة الرمان.