
للتواصل معنا
رواية مولانا للكاتب إبراهيم عيسى، حين يصبح الداعية نجمًا تلفزيونيًا يُتابَع كالفنان وتُحسب كلماته مثل تصريحات السياسي هُنا يُطرح السؤال: كيف يُستغل الدين؟ وأين تبدأ المصالح؟ هذه هي المفارقة التي تتغلغل في ثنايا رواية مولانا، حيث يتقاطع الإيمان بالشك والمبادئ بالبراغماتية في حكاية ينسجها إبراهيم عيسى عن رجل دين يعيش على الحافة بين قناعاته الداخلية ومتطلبات السوق الإعلامي وبين الحقائق التي يعرفها جيدًا والخطاب الذي يُطلب منه تقديمه.
تدور رواية مولانا حول الشيخ حاتم الشناوي رجل الدين الذكي والمحنك الذي استطاع أن يفرض نفسه نجمًا على شاشات الفضائيات بفضل أسلوبه المرح وأحاديثه المشوقة، لكنه رغم ظهوره المطمئن يعيش في صراع داخلي بين الحقيقة التي يؤمن بها والخطاب الذي يقدمه لجمهوره، وكلما ازدادت شهرته زادت قيود السلطة عليه فهو ليس فقط تحت أعين المؤسسة الدينية بل تحت رقابة الأجهزة الأمنية التي تستخدمه حينًا وتحاصره حينًا آخر.
لا يتناول السرد فقط التحولات الفكرية التي يمر بها البطل بل يسلط الضوء أيضًا على علاقته المتشابكة برجال الأعمال والسياسيين وأصحاب النفوذ الذين يوجهون المشهد الإعلامي والديني على حد سواء، وبينما يحاول الشيخ أن يحافظ على خيط رفيع من الصدق يجد نفسه منغمسًا أكثر في لعبة المصالح.
تناولت رواية مولانا موضوعات حساسة مثل العلاقة بين الدين والسلطة والفتاوى المثيرة للجدل والتلاعب بالخطاب الديني لخدمة أغراض سياسية، كما لم تغفل الرواية التوتر الطائفي بين المسلمين والمسيحيين، وألقت الضوء على استغلال بعض رجال الدين لجماهيرهم لتحقيق مكاسب شخصية.
لم يكن إبراهيم عيسى في روايه مولانا ناقدًا فقط لظاهرة شيوخ الفضائيات بل كان أيضًا شاهدًا على حقبة تغيرت فيها معايير الخطاب الديني، حيث تحوّل الدعاة إلى نجوم يتقاضون أموالًا طائلة مقابل ظهورهم الإعلامي وأصبح الدين مجالًا للاستثمار الإعلامي بقدر ما هو عقيدة روحية.
تتسم رواية مولانا بأسلوب سردي يمزج بين الفصحى والعامية مما يجعلها قريبة من القارئ العام دون أن تفقد قيمتها الأدبية، كما اعتمد الكاتب على الأسلوب الساخر في العديد من المواضع مما منح الرواية طابعًا جذابًا حتى عند تناول القضايا الجادة، أما الحوارات فكانت ثرية بمفردات من القرآن والحديث النبوي واستندت إلى تراكيب لغوية قوية خاصة في الحوارات الجدلية التي يخوضها الشيخ حاتم سواء مع المتشددين أو مع خصومه السياسيين، وهذا المزج بين البساطة والعمق اللغوي منح الرواية طابعاً خاصاً يجعلها سهلة القراءة لكنها في الوقت ذاته تحمل مستويات مختلفة من التأويل.
في مواضع كثيرة، يرسم إبراهيم عيسى صورة رجل الدين الحديث كـ"تاجر" يبيع خطابه لمن يدفع أكثر، في إشارة إلى السوق الإعلامي الذي تحكمه الأجندات وليس المبادئ، كما استخدم في الرواية رمزية العمامة الأزهرية باعتبارها وسيلة للظهور والتربح لا مجرد زي ديني له هيبته.
أين ينتهي الدين وأين تبدأ التجارة؟
تضعنا رواية مولانا أمام سؤال جوهري: هل يمكن لرجل الدين أن يكون مستقلاً في زمن تتحكم فيه السياسة والإعلام في كل شيء؟ وهل يستطيع أن يبقى صادقًا مع قناعاته في عالم تحكمه المصالح؟ إنها ليست مجرد قصة رجل دين يواجه تقلبات الحياة بل مرآة تعكس واقعًا معقدًا حيث تتداخل العقيدة مع السلطة والوعظ مع المصالح والإيمان مع الترفيه.