
للتواصل معنا
رواية أبو الهول من تأليف الكاتب أحمد مراد، تخيل أنك تعود بالزمن إلى القاهرة في القرن التاسع عشر حيث المدينة غارقة في الفوضى والموت يحوم في الأرجاء مع تفشي الطاعون، والشوارع الضيقة تعجّ بالحياة رغم سطوة الموت ويتراقص اللهب في قناديل النفط، في القاهرة القديمة حيث يخفي الظلام أسرارًا لم يُكشف عنها بعد، وفي تلك الحقبة الكئيبة تنطلق أحداث رواية أبو الهول حيث الجريمة تمتزج بالتاريخ والغموض يلتقي بالواقع والحقائق تنزلق بين يديك كما تنزلق المياه في نهر النيل.
في هذه الرواية يأخذنا الكاتب أحمد مراد في رحلة محفوفة بالمخاطر عبر عيون بطله سليمان أفندي السيوفي المصور الفوتوغرافي والخبير الجنائي الذي لم يكن يدرك أن صورة واحد قد تغير مجرى حياته بالكامل، حين يعثر على جثة غامضة تطفو فوق مياه النيل، تتغير حساباته ويجد نفسه متورطًا في مؤامرة تتشابك خيوطها بين السراديب القديمة وأسرار الفراعنة وبين جرائم حديثة تحركها أيادٍ خفية.
سليمان السيوفي: حين يكون البطل سجينًا لهواجسه!
السيوفي ليس بطلًا تقليديًا بل رجل ممزق بين ماضيه المضطرب وحاضره المليء بالكوابيس، كان مجرد مصور يسعى لتوثيق الأحداث لكنه سرعان ما أصبح مطاردًا من قبل الظلال ومطاردًا للحقيقة في آنٍ واحد، إذ أصيب بالفصام خلال فترة حبسه فأصبح لا يثق إلا في عدسته ولا يرى العالم إلا من خلالها، فأصبحت الهلاوس تطارده والأوهام تنسج حوله خيوطها، لكنه رغم ذلك يصرّ على كشف اللغز حتى لو كان الثمن هو عقله ذاته.
تسير رواية أبو الهول في خطين متوازيين: خط الجريمة المعاصرة وخط التاريخ السحيق حيث تترابط الأحداث وكأن الزمن يعيد نفسه، لم تختفِ الأسرار التي دفنت مع الفراعنة بل تنتظر من يكتشفها، ووجد السيوفي نفسه وسط مؤامرة تمتد جذورها إلى أعماق التاريخ.
أبو الهول: الصمت الذي يخفي الحقيقة!
تبحر رواية أبو الهول في أعماق التاريخ المصري حيث الأسرار المدفونة تحت الرمال وأبو الهول صامت لكنه يحمل في نظرته إجابات لم تُكشف بعد، فهل كانت هذه الجريمة مجرد حادثة عابرة؟ أم إنها امتداد لصراع بدأ منذ آلاف السنين؟ مع كل صفحة تتكشف روابط بين الماضي والحاضر وبين الغموض والجريمة وبين الحقيقة والوهم.
أحد أبرز جوانب رواية أبو الهول هو أنها لا تقتصر على الغموض والإثارة بل تحمل في طياتها أبعادًا فلسفية تتساءل فيها حول ماهية الإنسان والصراع بين الحقيقة والوهم وبين العقل والجنون، أما السيوفي فليس مجرد بطل يبحث عن قاتل بل هو رجل يواجه شياطينه الداخلية ويسأل أسئلة ربما لا يريد أحد سماعها.
الكاتب أحمد مراد المعروف بأسلوبه البصري وقدرته على تحويل الكلمات إلى مشاهد سينمائية لم يخيب ظن قرّائه في هذه الرواية، فهو لا يكتفي بسرد الأحداث بل يغرس القارئ داخل المشهد ليشعر ببرودة جدران السراديب وبرائحة الموت في أزقة القاهرة العتيقة، أما الحبكة متقنة ومشبعة بالمفاجآت والنهاية.. لن تكون كما تتوقعها.
رواية أبو الهول ليست مجرد حكاية عن جريمة في زمن الطاعون بل هي رحلة فلسفية في دهاليز النفس البشرية، حيث يتقاطع الواقع مع الخيال، والعقل مع الجنون بأسلوبه الذي يجمع بين الدقة التاريخية والتشويق البوليسي، يثبت أحمد مراد مجددًا أنه سيد الحبكة وأنه قادر على إحياء الماضي ليصبح أكثر حضورًا من الحاضر نفسه.
هل سيصل السيوفي إلى الحقيقة؟ أم أن الحقيقة ستبتلعه قبل أن ينطق بها؟ هذا ما ستكتشفه بين صفحات رواية أبو الهول، حيث لا شيء كما يبدو وحيث أبو الهول لا يزال يراقب بصمته الأبدي.