#حل_تدريبات_الأضواء_2024_الصف_الثالث_الإعدادي_فصل_دراسي_ثان
رابط شرح الفصل الخامس عشر ( صاحبة الستر الرفيع ) :
https://youtu.be/UIqk6MfnA4E
رابط إعراب أصعب الكلمات بالفصل واستخراج المشتقات منه :
https://youtu.be/o1pttSAjA9Y
رابط قائمة دروس الصف الثالث الإعدادي2024 /الفصل الدراسي الثاني :
https://www.youtube.com/playlist?list=PLvsMJ1HHONsrq3ygDlZDQo98X0y6DHiAx
نص الفصل الخامس عشر - صاحبه الستر الرفيع
خلا عرش السلطنة الرسمي بقتل توران شاه، فاجتمع الأمراء ورجال الدولة يتشاورون، ولم يطل بهم المجلس، واتفقوا على تولية شجر الدر، وتنصيبها ملكة لمصر، ولكنهم عادوا يتساءلون قائلين: «وكيف تخرج للناس وتواجههم، وتقول لهم ويقولون لها؟! كانت تصدر الأوامر فننفذها وهي من خلف حجابها، فماذا تصنع اليوم؟! هل ترضى بالسفور وتلقى الحجاب، أو تحكم من وراء النقاب أو الستار؟!
الأمر جد سهل، لا تلقى الحجاب، ولا تحكم من وراء الستار، بل تقيم واحدا من الأمراء بينها وبين الناس، يتحدث باسمها ويبلغهم أوامرها، وينفذ ما تريد.
فاستحسنوا هذا الرأي، واتفقوا عليه، وتركوا لها الخيار، تولى هذا الحجاب من تشاء ممن تثق به وترتاح إليه، فاختارت عزالدين أيبك التركماني الجاشنكير، ولم تختره لأنه أكبر المماليك وأعظمهم وأشجعهم، بل ليكون في يدها طوع إرادتها، لما رأت فيه من الطاعة ولين العريكة.
وتم الأمر وكتب بذلك إلى أرجاء الدولة، ثم طار الحمام بالكتب، يبشر بالسلطان الجديد، ففرح الناس باستقرار الأمور، وكانوا في وجل من الفرقة والانقسام، شاكرين لشجر الدر سرعتها في تلافى الشر، وما كان سينجم إذا تأخر إقامة سلطان جديد.
احتفلت البلاد كلها بهذه الملكة العاقلة، وتبادل الناس التهنئات باليعسوب التي ملأ حبها القلوب، ودوت المنابر لصاحبة الستر الرفيع والحجاب المنيع، ملكة المسلمين شجر الدر أم خليل، ونقش اسمها على العملة، واجتمعت لها أمور البلاد.
ثم أخذت تفكر في ملك الفرنج المحبوس في دار ابن لقمان. مقيدا مثل السراق وقطاع الطريق، وفى أولئك الأسرى الذين تعج بهم الحبوس، وفى دمياط ومن بها من الفرنج، وتعد العدة لمهاجمتهم والقضاء عليهم.
وطار فكرها إلى الشام، وحلق فوق دمشق وحلب، وسواهما، يستطلع رأى الأيوبيين في توليها الملك، وتذكرت ورد المنى ونور الصباح، وسوداء بنت الفقيه، مدركة أن هذه العقارب ستتحرك في هذه الساعة بسمها القاتل، لتثير القلاقل، وتحرض بنى أيوب على رفض الخضوع لها، والعمل سريعا لانتزاع الملك منها.
كما جعلت تفكر فيما يكون من خليفة بغداد الذي تتبعه البلاد اسما، وفى خلعته التي لا يتم السلطان لأحد إلا بها، ولا يقر الناس جميعا بالخضوع لأحد إلا بعدما يمنحها.
ازدحمت تلك الخواطر في رأسها، وجال فكرها يبحث عن حل لهذه المشكلة المعقدة. وفيما هي في تفكيرها، بلغتها رسالة تأثرت لها، وبدا في وجهها آثار العطف والرقة والحنان حين قرأتها.
كانت هذه الرسالة من دمياط، بعثتها الملكة مرجريت امرأة لويس، تتوسل فيها إلى صاحبة الستر الرفيع أن ترحم ضعفها، وتطلق لها زوجها، وتفرض ما تشاء من مال، وتناجيها بعاطفة المرأة الغريبة التي فقدت الزوج والأهل والوطن، وعاشت في رعب ينتابها كلما ذرّ صباح وأظلم مساء، وتصف لها غرور لويس وتسرعه، وطمعه الذي أغواه ودفعه إلى هذا المأزق، ودفع بها معه.
رقت شجر الدر للدموع المنهمرة التي تفيض على القرطاس، وأذنت للفرنج بأن يبعثوا برسلهم للمفاوضة، مفضلة أن تملا الخزائن الخاوية بالمال، من فدية لويس وأسراه على أن تقتلهم، قائلة لنفسها: «وماذا تجدى تلك الدماء ولو جرت أنهارا؟! إنهم لم يعودوا شيئا، وسوف يرحلون بائسين نادمين، فرحين بالنجاة من الموت المحقق». وأوصت مندوبيها بأن يقبلوا الفدية مشروطة بأربعمائة ألف دينار.
رضى الفرنج بدفع الفدية، فرحين بإطلاق سراحهم، ثم عادوا يفكرون ليس لديهم ما يدفعونه، فكيف يتصرفون؟!
جعلوا يتوسلون إلى صاحبة الستر الرفيع أن ترحم عجزهم وتخفف هذه الفدية الثقيلة عنهم، ما دامت قد تعطفت وقبلت تكرما أن تطلقهم، وعرضوا أن تتفضل بقبول النصف معجلا، والنصف الآخر يؤجل حتى يبلغوا عكا، بعدما يسلمون دمياط.
وكم كانت فرحتهم حين رضيت صاحبة الستر الرفيع، وأخذت عليهم المواثيق بالوفاء، وأسرعت الرسل إلى مرجريت بالبشارة، فكفكفت عبراتها، ولم تعقب، ونهضت مسرعة تجمع المال وتفتش عنه في كل مكان، وتتوسل إلى من حولها أن يضحوا بآخر ما يملكون، ليفكوا القيد عن رقابهم، حتى جمعت نصف الفدية، وأرسلته إلى السلطانة بين اليأس والأمل.
ومن الباب الكبير لدار ابن لقمان، إلى الفناء الفسيح، إلى الطريق، خرج لويس من سجنه يتلفت حوله، غير مصدق، يسأل نفسه: أهو في حلم أم يقظة؟!
والطواشي صبيح الحارس ينظر إليه في سخرية، ثم التقى بأخويه وبالأسرى الذين كادوا يطيرون من الفرح، وتقدموا إلى السفن التي حملتهم إلى معقلهم الأخير، ثم وقفت تنظر إليهم ضاحكة وهم يجرون أرجلهم متعثرين إلى مراكبهم، ناكسي الرءوس يتقطر الأسى من وجوههم، حتى أقلعت، والمصريون يودعونهم بالشماتة، منشدين في سخرية، من قول جمال الدين بن مطروح في لويس الحزين ومن معه:
أتيت مصرا تبتغى ملكها *** تحسب أن الزمر يا طبل ريح
فقل لهم إن أزمعوا عودة *** لأخذ ثأر أو لفعل قبيح
دار ابن لقمان على حالها (في المنصوره) *** والقيد باق والطواشي صبيح
كان ذلك النشيد الساخر يتردد على شاطئ دمياط، وشجر الدر في قصرها تردد هذا النشيد باسمة، وفكرها سابح في المشكلات الأخرى التي بدأت تطل برءوسها، وبخاصة من جانب الشام.