تعد جدارية “أوز ميدوم” تحفة فنية مصرية نادرة، دفعت الكثيرين لاعتبارها بمثابة “موناليز الفن المصري” لدقة رسمها ولوضوح ألوانها التي لازالت نابضة بالحياة بشكل مذهل يثير الدهشة.
وبالرغم من الشهرة العالمية التي تكتسبها الجدارية التي يعود عمرها التقريبي إلى عصر الملك سنفرو أي قرابة 2500 سنة قبل الميلاد، إلا أن ذلك لم يمنع البعض من الخروج للتشكيك في أصالتها والقول المتحف المصري بالتحريري يقتني جدارية مزيفة!
وتصور جدارية “أوز ميدوم” بعض من الأوزات ذات الواجهة البيضاء وأوز الفول والأوز ذي الواجهة الحمراء، وقد عثر عليها في مقبرة “إياتت” زوجة الأمير “نفرماعت” وهو نجل الملك “سنفرو” في “ميدوم” بمنطقة سقارة، عام 1871م من قبل عالم الآثار والرسام الإيطالي “لويجي فاسيلي”، وكانت موجودة أسفل أحد حوائط الداهليز.
ونتيجة جمال الجدارية، قام “لويجي” بنزعها من جدار المقبرة ونقلها إلى متحف بولاق في ذلك الوقت، ثم إلى متحف الجيزة حتى استقرت عام 1902 في متحف القاهرة، وصارت من معالم المتحف حتى الآن.
كان أول من شكك في أصالة جدارية أوز ميدوم، عالم الآثار الإيطالي “فرانشيسكو تيراديرتي” Francesco Tiradritti الأستاذ بجامعة “كور” الإيطالية ورئيس بعثة الآثار الإيطالية العاملة في مقبرة “حاروا” بمنطقة العساسيف قرب معبد الملكة حتشبسوت في البر الغربي بالأقصر، زاعما أن الجدارية المعروضة بالمتحف المصري منذ 117 عاما ليست أصلية على الإطلاق ولا تمت للحضارة المصرية القديمة بصلة.
وفي دراسة نشرها “تيراديرتي” على موقع “Live Science”، يقول أن لديه من الحجج ما يثبت بأن لوحة “أوزم ميدوم” ليست أصلية، فمجموعة الأوز المرسومة في اللوحة لا تعيش في مصر، فبعضها يعيش في أوروبا وخصوصا بمنطقة بحر إيجه ونادرا ما يظهر في الأجواء الحارة.
كما استند إلى أن الألوان المستخدمة كالبيج والأزرق البنفسجي فريدة من نوعها في الفن المصري ولم تستخدم قبل التاريخ المزعوم لرسم اللوحة، كما أن الطريقة التي رسم بها الأوز غير طبيعية حيث لم يعتد المصريون رسم الحيوانات بأحجامها الطبيعية في تلك الفترة.
وأوضح أيضا في تلك الدراسة بأن الشقوق الموجودة في اللوحة لا تتوافق مع لوحة خلعت من جدار، واقترح أن يكون الفنان “لويجي فاسيلي” والذي درس الرسم في أكاديمية الفنون بميلانو ومكتشف اللوحة، هو نفسه من رسمها في القرن التاسع عشر، وبإن اللوحة قد تخفي أسفلها الرسم الأصلي، مطالبا بإجراء مجموعة من الفحوص الموسعة عليها لإثبات صحة كلامه.
ولكن واجهت تلك النظرية اعتراضا واستنكارا شديدا من قبل علماء الآثار المصريين، حيث نفى الدكتور زاهي حواس حينها فرضية “تيراديرتي” مؤكدا أنه إذا كانت اللوحة مزيفة، فستتلاشى ألوانها بعد حوالي 145 عامًا، لكن هذا لم يحدث حتى الآن، وهذا يثبت من ناحية أخرى أن إوز ميدوم هو عمل مصر القديمة.
وأضاف حواس في رده على فرضية “تيراديرتي” بقول أنه توجد أيضا مشاهد من المقابر في أبوصير ومقبرة سقارة التي تُظهر حوالي 32 نوعًا من الأوز، أما عن الاعتقاد بأن لوحة أخرى يمكن أن تكون مخفية أسفل اللوحة الموضوعة في المتحف، فقال إنه يمكن بسهولة اكتشاف هذه اللوحة الثانية باستخدام التكنولوجيا الجديدة، لافتا إلى أن العديد من الجهات المعتمدة صادقت على أصالة اللوحة.
كما صرح مدير المتحف المصري الكبير طارق توفيق، بأنه حتى الآن لا يوجد سبب للشك في صحة جدارية إوز ميدوم، لافتا إلى أن الجدارية جزء من مشهد أكبر داخل قبر مصطبة نفرماعت الذي كان معروفًا بأنه مولع بالابتكار، والدليل على صحة الجدارية هو أن الحد الأعلى للرسم يحمل بقايا بقية المشهد الموجود على جدار قبر المصطبة، والذي يظهر أقدام الصيادين الذين يطاردون الأوز والبط مع شبكات، كما أن مشاهد الطيور شائعة في المقابر المصرية القديمة في المملكة القديمة.
وردا على نظرية “تيراديرتي” بأن الأوز ليست مثل تلك الموجودة في مصر، قال توفيق إن تلك المنطقة في الفيوم تقع على طريق هجرة الطيور وهي مكان استراحة للطيور المهاجرة.
فيما اتخذ الباحث الأثري فرنسيس أمين موقفا وسطا من هذه النظرية، قائلا في تصريحات سابقة “إن تلك المقبرة التي حوت لوحة الأوز اكتشفت من قبل الأثري اليوناني “دانبنوس” حيث وجد بداخلها تمثالي “راح حوتب” قائد الجيش المصري القديم وشقيق الملك خوفو، كما إن هذا الكشف الأثري أدى إلى أن الخفير أصيب بالصدمة، وذلك لوجود تمثالين كأنهم أجزاء حية لافتاً أن الأثري دانبنوس لم يكشف في دراسته المنشورة عن اهتمامه بلوحة “أوز ميدوم”، التي كانت موجودة في المصطبة بقدر اهتمامه بالكشف عن التمثالين والمقبرة”.
ويضيف “أمين” أن “دانبنوس” لم يقم بنقل لوحة “أوز ميدوم” لسوء حالتها، واكتفى في بحثه العلمي عن الحديث عن التماثيل والمقبرة، مرجحا أن اللوحة تم عمل ترميم حديث لها أدى لإخفاء معالمها الأصلية وطمسها، لكنها بالفعل اللوحة الأصلية.