
للتواصل معنا
رواية رحلة الدم من تأليف إبراهيم عيسى هو عمل روائي تاريخي مثير يعيد تصوير مرحلة الفتنة الكبرى في صدر الإسلام بأسلوب مشهدي جذاب، ويكشف ابراهيم عيسى القتلة الاوائل وصراعاتهم ويربط بين السياسة والتطرف الديني في رواية مشوقة تجمع بين الوثيقة التاريخية والخيال السردي.
رواية رحلة الدم من تأليف الكاتب إبراهيم عيسى، ماذا لو أعدنا قراءة التاريخ لا كما كتبته الأيدي المنتصرة بل كما همست به الأزقة الدامية وصدحت به الجدران التي تلطخت بالدم؟ كيف ستبدو الحقائق إن أزيحت عنها أقنعة التقديس لتكشف عن وجوه لرجال عاديين بعضهم حمل السيف بدافع العقيدة وبعضهم حمله بدافع السلطة؟
في رواية رحلة الدم يأخذنا الكاتب إبراهيم عيسى في مغامرة سردية خطرة يمزج فيها بين الوثيقة التاريخية والخيال الروائي ليعيد تشكيل حقبة شائكة من التاريخ الإسلامي، هنا لا تروى الحكايات باسم المنتصرين بل تُحكى عبر أصوات هؤلاء الذين ظنوا أنهم يصلحون بينما كانوا يهدمون، ومن قلب الصراع على الخلافة الإسلامية يطل علينا عيسى بروايته رحلة الدم الجزء الأول من مشروعه الروائي ابراهيم عيسى القتلة الاوائل ليضيء زوايا معتمة من تاريخ ملطخ بالعنف والتآمر.
يتتبع رواية رحلة الدم التحولات العميقة التي أعقبت اغتيال الخليفة الثالث عثمان بن عفان حيث تشابكت خيوط الفتنة ونشأت التحالفات والانقسامات وسط دوامة من الخيانة والطموح الدموي، فلا يكتفي الكاتب برسم الأحداث الكبرى بل ينفذ إلى دواخل الشخصيات ليكشف عن صراعاتها الداخلية وتناقضاتها بين التقوى والسلطة، كما يعتمد إبراهيم عيسى في رحله الدم على مصادر تاريخية موثوقة مثل البداية والنهاية لابن كثير وسير أعلام النبلاء للذهبي، لكنه لا يتقيد بها حرفيًا بل يعيد بناء المشهد الدرامي وفق رؤيته الخاصة، وعبر 700 صفحة يحيي الكاتب شخصيات تاريخية بملامح إنسانية نابضة فنرى عمرو بن العاص في صراعه مع الزمن وعمرو بن ملجم المرادي في رحلته نحو التطرف، وغيرهما من الأسماء التي شكلت منعطفات حاسمة في التاريخ الإسلامي.
شخصيات الرواية: بين القداسة والإنسانية
من أبرز ما يميز ابراهيم عيسى رحلة الدم هو التناول المختلف للشخصيات التي لطالما قُدمت في صورة مثالية زائدة عن الحد، هنا لا نجد ملائكة تمشي على الأرض بل رجالًا حقيقيين تدفعهم الأهواء مرة والعقيدة مرات، ويتخبطون بين الحق والباطل والصواب والخطأ، لا نقول إنهم على حق دائمًا ولا على باطل دائمًا، لكنهم بشر يخطئون ويصيبون.
بين التاريخ والرواية: هل نعيد قراءة الماضي؟
ما يطرحه ابراهيم عيسى رحلة الدم ليس مجرد سرد تاريخي بل هو تساؤل عميق حول كيفية قراءة الماضي، الرواية تضع القارئ أمام مشهد دموي متكرر حيث يصبح القاتل يومًا ضحية والضحية في اليوم التالي جلادًا، كما يختار إبراهيم عيسى لحظة انطلاقه من مشهد اغتيال علي بن أبي طالب، لكنه لا يروي القصة كما عرفناها بل يعود بالزمن عشرين عامًا إلى الوراء ليضعنا في قلب الصراعات التي مهدت لهذا الاغتيال، وبهذا يصبح رواية رحلة الدم ليس فقط سردًا لأحداث قديمة بل قراءة جديدة لمنطق السلطة والتطرف عبر الزمن.
أسلوب السرد: الواقعية المشهدية
ما يجعل رحلة الدم تجربة سردية مميزة هو أسلوبها الذي يقترب من السيناريو السينمائي، حيث المشاهد تتلاحق في إيقاع سريع والحوارات مكثفة والوصف يجعلك ترى المعارك وتسمع صليل السيوف، فلا يترك الكاتب مجالًا للبرود فكل فصل يشبه صدمة كهربائية تدفعك إلى مواصلة القراءة، كما أن الرواية تستفز العقل، فهي لا تقدم إجابات بقدر ما تثير الأسئلة، فهل كان ما حدث حتميًا؟ أم أن الأمر كان مجرد حلقة من حلقات الطمع البشري التي تتكرر كلما اجتمعت السلطة بالدين؟ هكذا يظن الكاتب إبراهيم عيسى.
قد يختلف القارئ مع بعض اختيارات الكاتب أو يتساءل عن دقة بعض التفاصيل التاريخية، لكن المؤكد أن رواية رحلة الدم تجربة لا يمكن تجاهلها، إنها ليست مجرد رواية بل نافذة على منطقة مسكوت عنها في التاريخ حيث تتقاطع السياسة بالدين ويصبح السؤال الحقيقي: هل نحن نقرأ عن الماضي، أم أننا نقرأ عن حاضرنا؟